المعونة الأمريكية لمصر هي مبلغ ثابت سنويا تتلقاه مصر من الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1978، حيث أعلن الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت جيمي كارتر، تقديم معونة اقتصادية وأخرى عسكرية سنوية لكل من مصر وإسرائيل، تحولت منذ عام 1982 إلى منح لا ترد بواقع 3 مليارات دولار لإسرائيل، و2.1 مليار دولار لمصر، منها 815 مليون دولار معونة اقتصادية، و1.3 مليار دولار معونة عسكرية.
وتمثل المعونات الأمريكية لمصر 57% من إجمالي ما تحصل عليه من معونات ومنح دولية، من الاتحاد الأوروبي واليابان وغيرهما من الدول، كما أن مبلغ المعونة لا يتجاوز 2% من إجمالي الدخل القومي المصري.
ويستبعد المحللون أن تقطع المعونة العسكرية لمصر لأنها تساعد في تعزيز الأهداف الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، واستفادت من خلالها واشنطن الكثير، مثل السماح لطائراتها العسكرية بالتحليق في الأجواء العسكرية المصرية، ومنحها تصريحات على وجه السرعة لمئات البوارج الحربية الأمريكية لعبور قناة السويس، إضافة إلى التزام مصر بشراء المعدات العسكرية من الولايات المتحدة، فأمريكا قدمت لمصر حوالى 7،3 مليار دولار بين عامى 99 و2005 في إطار برنامج مساعدات التمويل العسكرى الأجنبي، وأنفقت مصر خلال نفس الفترة حوالى نصف المبلغ، أي 3.8 مليار دولار لشراء معدات عسكرية ثقيلة أمريكية.
ولا يعد التلويح بقطع المعونة الأمريكية الأول من نوعه ولن يكون الأخير فدائماً ما تستخدمها الولايات المتحدة كورقة ضغط على مصر لتحقيق مصالحها السياسية ولكن في الاونة الاخيرة نرى المصريون هم الساعى الأول لقطعها في ظل الظروف الديمقراطية الجديدة وهى في الايام الحالية لاتمثل خلل في الدخل القومى.
وفي 17 يونيو 2014 قدم مجلس الشيوخ الأمريكي مقترحا لخفض المعونة العسكرية الأمريكية لمصر من 1.3 مليار دولار سنويا إلى مليا ردولار فقط وكذا خفض المعونة الاقتصادية من 250 مليون دولار إلى 150 مليون دولار ، وقد سبق هذا المقترح مقترح آخر قدمه الجمهوريون في الكونجرس الأمريكي (مجلس النواب) تضمن ثبات المعونة العسكرية عند مستوى 1.3 مليار دولار سنويا وخفض المعونة الاقتصادية بواقع 50 مليون دولار لتستقر عند 200 مليون دولار فقط سنويا.
بعض الاسئلة الخاصة بالمعونة الأمريكية لمصر
(1) كيف بدأت المعونة الأمريكية إلى مصر؟
تميزت الفترة ما بين ثورة يوليو وحتى ما بعد عام 1973 بقدر كبير من الجمود في العلاقات المصرية الأمريكية، بعد التوجه الشرقي للنظام الناصرى عقب أزمة تمويل السد والعدوان الثلاثي على مصر، حتى جاءت سياسات الانفتاح الاقتصادي التي انتهجها السادات وتوجهه إلى الغرب بهدف تحفيز الاقتصاد المصري، وأعيدت العلاقات رسميًّا عام 1974، وصدر قانون المساعدات الخارجية الأمريكية وكان نصيب مصر منه 250 مليون دولار.
توسعت المعونة الأمريكية في مصر مع توقيع اتفاقية كامب ديفيد واعتمدت المعونة العسكرية لأول مرة عام 1979، وشهدت فترة الثمانينات وحرب الخليج ذروة المعونة الأمريكية التي بلغت وقتها 2.1 مليار دولار “منها حوالى 1.3 مليار معونة عسكرية وحوالى 800 مليون دولار معونة اقتصادية” حتى جاء عام 1999 وشرعت الولايات المتحدة في تقليص برنامجها للمعونات فتقلصت المعونة الاقتصادية لتصبح حوالى 250 مليون دولار بينما بقيت المعونة العسكرية ثابتة تقريبًا.
(2) كيف يتم تقديم المعونة إلى مصر؟ هل هي تحويلات نقدية مباشرة ومفتوحة؟
الأمر ليس كذلك، فالمعونة الأمريكية ترتبط ببرامج محددة للإنفاق، أولها برنامج الحاصلات الزراعية ويهدف إلى توفير قروض ميسرة لشراء سلع كدقيق القمح من الولايات المتحدة، وثانيها برنامج تمويل المشروعات ويمثل مخصصات معينة يتم توجيهها لتمويل البنية الأساسية في قطاعات معينة كالصحة والكهرباء والتعليم، أما البرنامج الثالث فهو برنامج الاستيراد السلعي الذي يهدف لتزويد القطاعين الخاص والعام بموارد خام أمريكية الصنع. .
البرنامج الأكبر هو برنامج الدعم العسكري "حوالي 25% من إجمالي المعونة الأمريكية إلى دول العالم وأكثر من 80% من قيمة المعونة إلى مصر"، وتستأثر إسرائيل ومصر بأغلب مخصصات هذا البرنامج بنسبة تقريبية "3 إلى 1"، وينقسم بشكل رئيسي إلى قسمين، الأول هو برنامج دعم وتزويد بالمعدات العسكرية تم تزويد مصر ببعض الأسلحة مثل طائرات (F16)، والطراز المطور منها (F-16C/D)، وطائرات هيليكوبتر بوينج طراز شينوك (CH-47D)، وطائرات الإنذار المبكر(E-2C) التي تنتجها شركة نورثروب غرومان (Northrop Grumman Corp)، وأنظمة مراقبة الطائرات وصواريخ باتريوت للدفاع الجوي المنتجة من شركة لوكهيد وريثيون (Lockheed and Raytheon) كما يشمل البرنامج الدبابة أبرامز أم 1 إيه والتدريب عليها والذي تشرف عليه شركة جنرال ديناميكس (General Dynamics Corp). القسم الثاني هو برنامج التدريب للضباط والعسكريين الأجانب أما القسم الثالث فمخصص لدعم قوات حفظ السلام الدولية في الأماكن المختلفة حول العالم.
(3) ما هي قيمة المعونة الأمريكية إلى مصر؟
حتى العام 1999 كان إجمالي المعونة الأمريكية يتراوح بين “2- 2.2 مليار دولار”، منها 800 مليون دولار كمعونة اقتصادية، مع نهاية الحرب الباردة شرعت الولايات المتحدة في تقليص برامجها للمساعدات حول العالم تدريجيًّا، فتقلصت المعونة الاقتصادية إلى مصر حتى بلغت بين “200-250 مليون دولار” من 2010 إلى الآن.
تظل قيمة المعونات العسكرية ثابتة تقريبًا ولم تتعرض لها عملية التخفيض نظرًا لارتباطها برعاية الولايات المتحدة لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية والحفاظ على التوازن العسكري في المنطقة، إضافة إلى حاجة الولايات المتحدة إلى جيش قويّ نسبيًّا قادر على حفظ الأمن في سيناء وقناة السويس.
(4) لماذا تمنح الولايات المتحدة معونة إلى مصر؟ هل هو التزام أدبي وأخلاقي.. أم أن الولايات المتحدة تستفيد من هذا الأمر؟
بالفعل تحاول الولايات المتحدة إخراج معوناتها إلى دول العالم في صورة التزام أدبي من الولايات المتحدة نحو دعم السلام والتنمية في دول العالم، لكن لا تبدو الأمور تخرج عن المصلحة بشكل كبير، حتى إن بعض الخبراء يميلون للقول بأن الولايات المتحدة قد استفادت من معوناتها إلى مصر أكثر بكثير مما قدمت.
على المستوى الاقتصادي:
1- تصب شروط برنامج المعونة غالبًا في صالح دعم الاقتصاد الأمريكي؛ حيث يشترط برنامج الاستيراد السلعي مثلاً الحصول على السلع التي يمولها المشروع من الشركات الأمريكية وهو أمر يمثل دعمًا للاقتصاد الأمريكي في حد ذاته “بأكثر حتى من منح هذه الأموال للشركات من قبل الولايات المتحدة مباشرة”، أضف إلى ذلك أن هذه السلع والخامات ربما يتم توريدها بسعر أكبر من السعر العالمي مما يعني استرداد الشركات لجزء كبير من قيمة المعونة على هيئة أرباح إضافية “غير الأرباح الأساسية التي يقدمها سعر السوق العالمي”.
2- يأتي برنامج الحالات الزراعية مشابهًا؛ حيث يوفر دعمًا كبيرًا للفلاح الأمريكي ويفتح له أسواقًا خارجية، إضافة لكون هذه السلع لا تمثل بالنسبة للولايات المتحدة أكثر من فائض سلعي قد لايحقق منفعة كبيرة، كما تشترط المعونة حصول الولايات المتحدة على حصة «عادلة» من أي زيادة في مشتريات التجارة الزراعية لمصر، مما يعني إهدارًا لحق مصر في الاختيار بين البدائل المختلفة في السوق واضطرارها لشراء منتجات أمريكية أعلى سعرًا من نظيراتها.
3- تشترط المعونة شحن البضائع والخامات على سفن الشحن الأمريكية بما يعني دعم الولايات المتحدة لشركات الشحن الأمريكية.
4- يبلغ حجم التجارة بين مصر وأمريكا أكثر من 12 مليار دولار، وهو ما يضمن علاقات قوية بين البلدين، ويدعم استمرار هذه العلاقة، حرص الجانب الأمريكي على تقويتها، نظرًا لكونه الطرف الأكثر استفادة.
5- في مقابل 7.8 مليارات دولار مساعدات عسكرية تلقتها في الفترة (1999-2005)، أنفقت مصر في نفس الفترة حوإلى 3.8 مليارات دولار لشراء أسلحة أمريكية.
على المستوى العسكري:
1-خلال 4 سنوات من عام 2001 إلى 2005 م قامت أمريكا بحوالي 36500 طلعة جوية فوق سماء مصر، وعبور 861 بارجة نووية من قناة السويس بشكل سريع وآمن.
2-تضمن المعونة الأمريكية للولايات المتحدة إشرافًا مباشرًا على تسليح الجيش المصري والتدخل ضد أي توجهات عسكرية مصرية مخالفة لسياستها كمثل ما يتم تداوله عن وقوفها ضد توجهات استقلالية للمشير الراحل محمد عبدالحليم أبوغزالة “وزير الدفاع الأسبق”، الذي سعى لعقد صفقات تسليح مع دول أخرى ككوريا.
3-الحفاظ على مسار التسوية والتطبيع مع إسرائيل وحفظ الأمن في سيناء ومنطقة القناة؛ حيث تخصص الولايات المتحدة مخصصات إضافية لتمويل أبحاث ومشاريع التطبيع المصري الإسرائيلي، فعلى سبيل المثال قامت الوكالة الأمريكية للتنمية بتمويل دراسة عام 1997 عن أوجه التعاون المحتمل بين مصر وإسرائيل، ورُصِد مبلغ 50 مليون دولار لتمويل هذا البرنامج.
وأخيرًا على المستوى الاجتماعي:
أتاحت المعونة الأمريكية للولايات المتحدة التغلغل داخل المجتمع المصري من خلال نظم التعليم والصحة والصناعة مما وفر حجمًا أكبر من المعلومات لصانع القرار الأمريكي بخصوص المجتمع المصري ونظرته للولايات المتحدة وعلاقته بالسلطة والحكومة.
(5) هل ترتبط المعونة الأمريكية بالتدخل في السياسة الداخلية “الإشراف على الانتخابات – التأكد من تطبيق معايير الديمقراطية – انتقاد الكبت الأمني” وغيرها؟
حسنًا؛ على مدى تاريخ المعونة منذ بدايتها عام 1976 لم تربط الولايات المتحدة بين معوناتها للدول وبين سياساتها الداخلية وبرامج الإصلاح السياسي، حتى جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001، وما اتصل بها من إستراتيجية جديدة للأمن القومي ارتبطت بارتفاع نصيب برامج الديمقراطية والحوكمة حتى وصلت 16% من إجمالي ارتباط المعونة الأمريكية إلى دول العالم.
وتزامنت هذه الخطة مع إصدار تشريعات أمريكية جديدة ربطت بين المعونات الأمريكية وبرامج الإصلاح السياسي، وجرمت استمرار المعونات الأمريكية للأنظمة التي تستولي على السلطة بالعنف أو عبر الانقلابات العسكرية، وحينها مارست الولايات المتحدة قدرًا من الضغط على نظام المخلوع حسني مبارك من أجل إجراء إصلاحات دستورية، وبدأت تظهر لأول مرة أصوات داخل الإدارة الأمريكية تطالب بمنع المعونات أو تقليصها بسبب تباطؤ برامج الإصلاحات السياسية، وهي دعوات لم ترق أبدًا إلى مستوى الجدية بدليل استمرار المعونة بشكل متواصل وشبه ثابت حتى العام 2013 حين قررت إدارة أوباما إيقاف كل أنواع المساعدات لمصر بصورة مؤقتة، وهذا يعني أن ما تبقى من قيمة المساعدات لميزانية عام 2013 والمقدرة بـ585 مليون دولار مخصصة للجيش المصري صارت قيد المجهول.
(6) ماذا عن جدية التهديدات الأمريكية بقطع المعونة عن مصر بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو الماضي؟
في 24 يوليو الماضي أوقفت الإدارة الأمريكية توريد 4 طائرات من طراز “F-16” كان قد حان وقت تسليمها للقوات المسلحة المصرية احتجاجًا على الانقلاب على الرئيس المنتخب، وفي 15 أغسطس الماضي أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن إلغاء مناورات “النجم الساطع” مع مصر احتجاجًا على أحداث فض اعتصام رابعة العدوية، وفي 18 أغسطس أعلنت واشنطن عن وقف المعونات الاقتصادية السنوية لمصر والمقدرة بـ250 مليون دولار، قبل أن يقرر أوباما إيقاف كل المساعدات لمصر بصورة مؤقتة.
في حال اكتفائنا بهذا المشهد فإن الصورة تبقى منقوصة ومجتزأة، فلا يمكننا تجاهل الاتصالات الهاتفية المتتالية بين وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيجل ووزير الدفاع المصرى المستقيل – على خلفية الترشح للرئاسة- عبد الفتاح السيسي، وهي محادثات هاتفية تصدر بها تقارير منتظمة تنشر على موقع وزارة الدفاع وهي تؤكد أن التنسيق الأمنى بين مصر والولايات المتحدة لم يتوقف لحظة، حتى في صبيحة مذبحة رابعة العدوية. رئيس الأركان الأمريكي الجنرال مارتن ديمبسي في لقائه بالكونجرس في ديسمبر الماضي صرح علنًا أن الولايات المتحدة لابد أن تكون حذرة سياسيًّا في تعاملها مع ما يحدث في مصر لأن العلاقات بين الجيشين المصري والإسرائيلي إستراتيجية وحيوية إلى أقصى حد.
تصريحات المسئولين السياسيين الأمريكيين تتسم بالتردد وعدم الحسم فالقوانين الأمريكية تمنعهم من الاستمرار في مساعدة نظام جاء إلى السلطة بانقلاب عسكري وارتكب بعده مذابح دموية، ومن ناحية أخرى فإن المصالح تدفع في اتجاه استمرار الدعم “بل ربما دفعت في اتجاه دعم الانقلاب أصلاً”، لذا يبدو أن الحكومة الأمريكية تنتظر اللحظة التي تعود فيها مصر نسبيًّا إلى الخطة الديمقراطية حتى تستطيع حفظ ماء وجهها باستئناف مساعداتها إلى مصر.
(7) استغلال المعونة في الضغط على الحكومات: مؤيدون ومعارضون في الداخل الأمريكي؟
على الصعيد الشعبي كشف استطلاع للرأي أجراه مركز أبحاث بيو للناس والصحافة، أن نحو 51% من الأمريكيين يؤيدون قطع المعونات الأمريكية لمصر، مقابل 26% يفضلون استمرارها على أمل التأثير على مجريات الأحداث في القاهرة.
ويرى المؤيدون لاستمرار المعونة أن صانع القرار الأمريكي يجب أن يتحلى بالواقعية حين يتعلق الأمر بالأمن القومي للبلاد، وحينما تتعارض القيمة مع المصلحة فإن الأولوية للثانية بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى خاصة إذا كانت الولايات المتحدة هي الطرف الأكثر استفادة من المعونة كما سبق أن أوضحنا.
ويرى أصحاب هذا التوجه أن التجربة العملية في المنطقة قد أظهرت أن حكومات الثورات والحكومات المنتخبة ديمقراطيًّا في الشرق الأوسط لم تحقق مصالح واشنطن الإستراتيجية، فكل من حكومة إيران وحكومة حماس وحكومة الإخوان أعداء للولايات المتحدة بطرق مختلفة، وعلى النقيض من ذلك فإن الحكومات العسكرية كحكومة مبارك والسيسي إضافة إلى الملكيات غير الديمقراطية بالنفط مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بمثابة حصون واشنطن في المنطقة ضد انتشار حكم الإسلاميين.
وهكذا فإن هذا الاتجاه يرى إن التلويح بقطع المعونات لن يغير من الأمر شيئًا على الصعيد الداخلي، وإذا كان الوضع الراهن في مصر يؤكد أن ثمة قوتين مهمتين تتصارعان على الأرض، وهما؛ الجيش والإخوان المسلمين، ومن ثم فإن نتيجة المعركة تضع الولايات المتحدة أمام خيارين؛ إما أن يتم حكم البلاد من قبل جماعة الإخوان أو من قبل الجيش، وليس هناك بديل ديمقراطي آخر، وعليه فإن حكم الجيش أفضل لمصالح الولايات المتحدة من حكم الإخوان.
على العكس من ذلك تمامًا، يرى أنصار منع المعونات أن القمع هو سر انتشار الأنشطة والتنظيمات العنيفة كالقاعدة وغيرها، وأن التكلفة البشرية والمالية الباهظة التي تكبدتها الإدارة الأمريكية في الحرب على الإرهاب، كانت بمثابة الحصاد المر لديكتاتورية وقمع أنظمة الشرق الأوسط الاستبدادية، لذا فمغامرة الولايات المتحدة بدعم نظام استبدادي في مصر سيتسبب ذلك في نشأة عناصر” إرهابية” أكبر بكثير في عددها وبأسها من عدد العناصر التي قتلتها قوات مكافحة الإرهاب الأمريكية طوال سنوات. ومن ثم فإن إجهاض الانقلاب الذي قاده الفريق السيسي يعتبر وأدًا للإرهاب في مهده وحفاظًا على المصالح الإستراتيجية الأمريكية.
(8) على الجانب المصري، هل يمكن أن تقدم مصر من طرفها على الاستغناء عن المعونة الأمريكية؟
تمثل المعونات الأمريكية لمصر 57% من إجمالي ما تحصل عليه من معونات ومنح دولية، من الاتحاد الأوروبي واليابان وغيرهما من الدول، لكن المفاجأة – التي ليست مفاجئة – أنها لاتمثل أكثر من 2% من الناتج القومي لمصر.
إجمالي المساعدات التي حصلت عليها مصر من دول الخليج بعد الانقلاب تعادل “8-10” مرات حجم المعونة الأمريكية، ورغم التعثر الذي يعانيه الاقتصاد المصري إلا أن فقدان رقم المعونة الأمريكية بأكمله لا يمثل مشكلة عويصة.
لكن للأسف لايمكن أن تؤخذ الامور بهذه البساطة، فالمشكلة ليست في الرقم ولكن فيما تؤمنه الولايات المتحدة عبر هذا الرقم من أسلحة متطورة وتدريبات ومناورات عسكرية والمعدات اللازمة لصيانة الدبابات الأكثر تطورًا والطائرات المقاتلة المصرية، وهذه الخدمات ربما هي التي لا زالت تحفظ للجيش المصرى جزءًا لا بأس به من تفوقه العسكري، كما لايمكن التقليل من أهمية القمح الأمريكي لبلد يُعد المستورد الأول للقمح عالميًّا!
أمر آخر لا يقل أهمية هو أن الولايات المتحدة لن تصفق لمصر إذا قررت تعليق معوناتها، فهناك حجم استثمارت ضخم للولايات المتحدة في مصر وهناك اتفاقية تجارية مرتبطة بالمعونة الأمريكية سبق الإشارة إلى بعضها، وهذه لا يمكن الالتفاف عليها بقرار فردي، كما سبق أن ذكرنا المكتسبات الأمريكية من المعونة على المستوى الإستراتيجي وهو ما لا يمكن التفريط فيه بسهولة.
(9) كيف يرى المصريون المساعدة الأمريكية؟
طبقًا لاستطلاع معهد جالوب لأبحاث الرأي في الولايات المتحدة في أعقاب ثورة يناير فإن 75% من عموم المصريين يرفضون المساعدات الأمريكية إلى بلادهم بينما يحبذها 13 % فقط، وترتفع نسبة الرفض إلى 88% بين شريحة أولئك الذين يرون الولايات المتحدة نموذجًا ينبغي لمصر أن تسير على طرقه.
ولم يتسن الحصول على استطلاع مباشر يوضح النسب خلال فترة ما بعد الانقلاب العسكري، لكن المتوقع أن تكون نسبة الرفض قد ارتفعت بشكل كبير في ظل المزايدات التي يقوم بها طرفي الصراع السياسي في مصر –بخاصة النظام – حول دعم الولايات المتحدة للطرف الآخر وتصديه لضغوط ومحاولات فرض الهيمنة الأمريكية.
(10) ما مستقبل المعونة الأمريكية إلى مصر؟ وهل تنوي الولايات المتحدة استئناف معوناتها؟
تبدو الخطة التي يناقشها مجلس الشيوخ منذ عدة أشهر هي الأقرب كحل وسط يوفق نسبيًّا بين القوانين الأمريكية وبين مصالحها الأمنية المباشرة؛ حيث تقضي الخطة بتقسيم المساعدات إلى 4 شرائح تكون الأولى منها غير مشروطة وتسلم على الفور وتكون التالية مشروطة بأن تشهد وزارة الخارجية بأن حكومة القاهرة تدعم عملية سياسية لا إقصائية وتفرج عن السجناء السياسيين وتدعم المجتمع المدني ولا تحيل المدنيين للمحاكمات العسكرية، بينما ترتبط الشريحة الثالثة بعملية إجراء انتخابات ديمقراطية وتشكيل حكومة جديدة أما الرابعة فتتعلق بمسائل حقوق الإنسان والأقليات.
يرى مقدمو الاقتراح أن السلطات في مصر قد يمكنها على الأقل الالتزام بمعايير 3 شرائح من الـ4 السابقة بما يضمن استقرار العلاقات بشكل كبير، ولكن يبدو النظام العسكري في مصر له رأي آخر فخطته – حتى الآن – ربما تتمادى في إحراج حلفائه، فالمحاكمات العسكرية متواصلة والانتخابات الرئاسية ربما يخوضها قائد الانقلاب بمفرده ووضع الحريات في مصر لا يخفى على أحد، الأمر الذي سيستلزم من الولايات المتحدة إما ممارسة ضغوط على النظام المصرى للالتزام بأكبر قدر ممكن من المعايير السابقة، وإما استئناف غير مشروط للمساعدات يشمل اعترافًا صريحًا من الولايات المتحدة بتقديم مصالحها على مبادئها، وإما أن تظل العصا ممسوكة من المنتصف حتى إشعار آخر.
المصدر: ويكيبيديا
إرسال تعليق